إنّ كلّ دولة في العالم لها أسلحة ردع خاصة بها تلجأ إليها عندما يتعرض وجود كيانها للخطر، وإذا كان هذا مهماً لكل دولة فإنّه ذو أهمية خاصة بالنسبة لإسرائيل التي نشأت بقرار من الأمم المتحدة (1948) وعلى أرض لم تكن لها وضمن بيئة معادية ما فتئت تتصارع معها منذ نشأتها.
إنّ لإسرائيل في الواقع ثلاثة أسلحة «ردع» تلجأ إليها غالباً بالتسلسل بمعنى أنها لا تلجأ للثاني إلّا إذا أخفق الأول، ولا تلجأ للثالث إلّا إذا أخفق الثاني، وهذه الأسلحة يمكن تصنيفها وفق المنطق السابق على النحو الآتي:
أولاً: الجيش الإسرائيلي: حيث عمدت إسرائيل منذ نشأتها إلى بناء جيشٍ قوي مزودٍ بأفضل الكفاءَات ومُجهز بأحدث الأسلحة الغربية وبما يجعلها متفوقة نوعياً على جميع جيرانها مجتمعين، وتُصنِّف مؤسسة غلوبال فاير باورGlobal firepower)) الجيش الإسرائيلي في المرتبة الثامنة عشرة بين جيوش العالم، وهو يتألف من (200,000) جندي نظامي وما يقارب (400,000) جندي احتياط، وقد خاضّ الجيش الإسرائيلي أربعة حروب كبيرة مع الدول العربية (1948، 1956، 1967، 1973)، كما خاض حربين رئيسيتين مع فصائل عربية مُقاوِمة حيث كانت الأولى مع حزب الله اللبناني في عام (2006)، وكانت الثانية مع حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية التي بدأت في «السابع من أكتوبر» وما زالت رحاها دائرة حتى الآن.
إنّ سبباً وجيهاً من أسباب إسرائيل وراء إصرارها على حملتها الهمجية الحالية على قطاع غزة بكل ما انطوت عليه هذه من «إبادة جماعية» و «تهجير قسري» و «تدمير مُمنهج» للمباني، و «قصف عشوائي» (اعترف به «بايدن» مؤخراً) هو أن إسرائيل شعرت بأنّ جيشها «الذي لا يُقهر» قد مُسّت هيبتُه في معركة «طُوفان الأقصى»، وأنه لا بدّ لهذا الجيش من أن يستعيد هيبتهُ ويحذّر كل من تُسوِّل له نفسه بالمواجهة بأن مصيره التدمير الذي لا يَرحم، وبحيث يكون واضحاً في نهاية الحرب أن الجيش الإسرائيلي كأداة «ردع» ما زال موجوداً وفعالاً.
ثانياً: الدعم الغربي اللامحدود: إنّ أية عودة إلى التاريخ تبيِّن بوضوح أن الغرب قد تبنى إسرائيل منذ صدور وعد بلفور في عام 1917 حيث تولّت بريطانيا (الدولة المُنتَدبة على فلسطين) تهيئة البنية المناسبة لولادة دولة إسرائيل، وبعد أفول شمس الإمبراطورية البريطانية (التي لم تكن تغيب عنها الشمس) وبروز الولايات المتحدة كقوة كونية بعد الحرب العالمية الثانية بدأت هذه الأخيرة بتعهد إسرائيل وتوفير كل ما يلزمها من أسلحة حديثة، ومعلومات استخبارية، وغطاء سياسي، وقد تجلى هذا الدعم الأمريكي الهام لإسرائيل في حرب 1973 فما إن نجح الجيش المصري في عبور قناة السويس واجتياز خط بارليف حتى بادرت الولايات المتحدة بمدّ إسرائيل بكل ما تحتاجه، كما تجلى بعد «السابع من أكتوبر»، حيث هرع كل زعماء الغرب (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا....) إلى إسرائيل، كما زودت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل بكل ما يلزمها من عتاد عسكري حديث (أكثر من 230 رحلة جوية)، وذلك فضلاً عن توفير غطاء سياسي لها حيث لم يستطع مجلس الأمن حتى الآن اتخاذ أيّ قرار بوقف إطلاق النار بسبب الفيتو الأمريكي. إنّ الدعم الغربي العسكري، والسياسي، والاقتصادي لإسرائيل هو أداة ردع بالنسبة لها ضد أعدائها، ولا شكّ أنه هو الذي أوجدها وهو الذي يحميها كقاعدة عسكرية متقدمة له.
ثالثاً: السلاح النووي: حيث استطاعت إسرائيل بمساعدة غربية (فرنسية بالذات) امتلاك السلاح الذري منذ ستينات القرن الماضي، ورغم أن إسرائيل لم تعترف بذلك رسمياً إلّا أن معظم أجهزة الاستخبارات في العالم تؤكد أن لديها ما يزيد عن (200) رأس نووي، وتُجمع المصادر الإسرائيلية على أن إسرائيل فكّرت بالخيار النووي عندما فُوجئت بالهجوم المصري السوري في عام 1973 وتعثّر جيشها في البداية وقبل وصول الجسر الأمريكي، كما كان لافتاً أن وزير التراث القومي الإسرائيلي «عميحاي إلياهو» طَرح فكرة القضاء على قطاع غزة بإلقاء قنبلة نووية عليه، إذْ كيف يمكن أن يتكلم مسؤول إسرائيلي عن إلقاء قنبلة نووية على غزة لو لم يكن يعرف أن بلاده تملك مثل هذا السلاح؟، ولعلّ ما يؤكد هذا التحليل أن إسرائيل تبذل جهوداً محمومة للحيلولة دون امتلاك أيّ بلد آخر (إيران أو غيرها) مثل هذا السلاح، لأنها تعتبر أن السلاح النووي هو أداة حيوية قد لا تستطيع استخدامه ولكنه يظل أداة «ردع» حاسمة بيدها ضد أعدائها.